في عالمٍ يبدو مليئًا بالضجيج، تزداد حدة الشعور بالوحدة كلما غابت العاطفة. هذه ليست مجرد حالة نفسية، بل مسألة وجودية عميقة كما طرحها الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر، أحد أبرز وجوه الفلسفة الوجودية في القرن العشرين.
الحرية المطلقة: عبء ثقيل

سارتر يؤمن أن الإنسان “محكوم عليه بالحرية”.
هذه الجملة التي قد تبدو للوهلة الأولى مصدرًا للقوة، تحمل في طياتها مسؤولية ثقيلة:
لا شيء يُحدد مصيرك مسبقًا، لا طبيعة بشرية ثابتة، ولا منظومات جاهزة.
أنت موجود أولًا، ثم تُقرر من تكون.
لكن هذه الحرية ليست مريحة دائمًا، بل قد تتحول إلى عزلة وجودية خانقة حين لا يجد الإنسان ما يمنحه شعورًا بالانتماء أو الدفء… وهنا تأتي العاطفة.
العاطفة: أكثر من مجرد مشاعر
في تصور سارتر، العاطفة – خاصة الحب – ليست ملاذًا هادئًا فحسب، بل مرآة تعكس قلقنا الوجودي.
نحن لا نريد فقط أن نحب، بل نريد أن نُحب بحرية من الآخر، أن نُختار لا عن حاجة، بل عن رغبة.
ومع ذلك، لا يمكننا التحكم في مشاعر الآخرين…
وهنا يبدأ التوتر و تبدأ بسؤال نفسك:
هل أنا محبوب فعلًا؟
هل الحب الذي أتلقاه حقيقي؟
من أنا إذا لم يحبني أحد؟
هذا النوع من التفكير يُولد قلقًا داخليًا حادًا.
وحين تغيب العاطفة أو يُحرم الإنسان منها، فإنه لا يشعر فقط بالحزن، بل يشعر أن معناه يتلاشى.
سارتر يرى أن غياب الحب لا يُؤلمنا فقط، بل يضعنا وجهًا لوجه أمام فراغ وجودي مخيف.
لأننا، رغم ما نملكه من حرية، لا نستطيع أن نمنح أنفسنا الحب الذي نحتاجه من الآخرين.
وحين لا نجد من يرى أرواحنا، من يسمع ما لم نقله، من يلمس هشاشتنا دون حكم…
نشعر أننا نعيش في عزلة، لا جسدية، بل عزلة وجودية…
حيث كل شيء يبدو باهتًا، وكل شيء يُصبح سؤالًا بلا جواب.
الخلاصة:
سارتر لم يكن عدوًا للعاطفة، لكنه كان يُدرك عمقها وخطورتها.
فهي ليست ترفًا أو ضعفًا، بل عنصر جوهري في تجربتنا الإنسانية.
وغيابها لا يُؤدي فقط إلى الحزن، بل إلى انهيار العلاقة بين الإنسان وذاته.
وربما…
حين نمنح الحب، أو حين نجده، لا نكون فقط في علاقة مع الآخر، بل في تصالح مع وجودنا نفسه.
ومضة ختامية

ربما لا نحتاج دائمًا إلى من يُنقذنا من وحدتنا، بل إلى من يفهمها، من يمشي معنا بصمت في دهاليز الروح دون أن يضيّع الطريق.
فالعاطفة ليست رفاهية… إنها ما يمنح الحياة ملمسها الحقيقي.
إن كنت قد شعرت يومًا بهذه العزلة، أو مررت بتجربة حرمان عاطفي، فاعلم أنك لست وحدك…
ومشاركتك لتجربتك قد تُضيء لغيرك طريقًا خافت النور.
شاركنا رأيك…
هل توافق سارتر أن غياب الحب يهدد وجود الإنسان؟ أم ترى أن الإنسان قادر على الاكتفاء بذاته؟
اكتب لي في التعليقات، فربما نكتشف معًا ما يُشبهنا في أعماقنا.
اكتشاف المزيد من مدونة العم شكيب
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.